jeudi 19 août 2021

الانتخابات مسرحية بإخراج بئيس!

الانتخابات مسرحية بإخراج بئيس!

الدكتور محمد الوادي
- المثقف العضوي ومنظومة التفاهة..
أنا واحد من الذين اكتووا بنار السياسة، فقد مارستها بحلم التأثير والتغيير، ومن أجل ترسيخ الديمقراطية كسلوك وممارسة، فكان انخراطي بهدف تغليب صوت المثقف على صوت التافه.. وصوت المتعلم على صوت الأمي، وصوت النزيه على صوت المرتشي، وصوت العادل على صوت الظالم. ولكن وجدتني أمام عشائر وكائنات سياسية خالدة ومخلَّدة ترث المقاعد داخل الأحزاب، وفي القبتين، وفي المجالس المحلية والجهوية مما جعلني أدرك أن الحزب ما هو إلا وجه من أوجه الديكتاتورية لأن الديمقراطية الداخلية لا وجود لها. كما تيقنيت أن أسطوانة إعطاء الفرصة للكفاءات( داخل الأحزاب، وفي المجالس المنتخبة، وفي الحكومات، وفي المؤسسات الكبيرة) ما هي إلا آلية للتضليل. هكذا وجدتني مجبراً على الرجوع إلى الخلف ولعب دور المراقب.
يظل المثقف المغربي يراقب من موقعه، أو من برجه العاجي، بحدسه وعقله وعيونه وكل حواسه، يراقب فعل السياسة، والفاعل السياسي على مدار الوقت.. من ولاية انتخابية إلى أخرى. يجمع المعطيات ويعيد تفكيكها بناء على ما أفرزته السياسة الدولية، وما رشح عنها من مستجدات في المواقف والرؤى والقرارات والخطابات، وتحديداً ما وصل إليه علم السياسة من نتائج. هذه المقارنة بين الوضع السياسي الدولي وبين ما يستنبطه من تدافعات اجتماعية في المغرب( تحت مسمى السياسة) يعزز سلطة المثقف كمراقب ذكي، ومن المفروض أن يكون كقوة اقتراحية لتخصيب الحقل السياسي، بل وقوة فعلية لقيادة قطار التغيير. إلا أنه لاعتبارات(عامة وخاصة) وفي ظل المتغيرات التي لحقت المنظومة السياسية، ولحقت بنفس القدر (مع مفارقات طفيفة) المنظومة الثقافية في سياقها العام، حيث توارى المثقف العضوي بمفهوم كرامشي وأصبحت السياسة بلا أخلاقيات. ولهذا ظل المثقف المغربي بعيداً عن تدبير الشأن السياسي، وبعيداً عن المشاركة السياسية بعد تجربة كانت مخيبة، وأساءت إليه كمثقف حيث تزحزح وضعه الاعتباري، وظل السياسي يقصي المثقف ويزيحه، ويكيد له، ويبعده عن الحقل السياسي. لا بد وأن نشير هنا إلى التحالف الثلاثي: (السياسي)، وتاجر الانتخابات، والمخزن، ضد المثقف الذي يحرَّض على التسلل إلى الجسم السياسي. وبما أن الولوج إلى سوق الانتخابات غير مقيد بأخلاقيات ومبادئ وقوانين تشترط مستويات تعليمية وثقافية فإن التافهين، والشعبويين، وأصحاب الشكارة، وأصحاب النفوذ القبلي والعرقي، بدعم مخزني(مباشر أو غير مبأشر) هم الذين سيطروا ويسيطرون على مفاصل السياسة، ويتحكمون في درجات حرارتها، وجعلوها حكراً عليهم ضمن دائرة مغلقة
مربوطة بالانتخابات والمكاسب المادية والمعنوية، والبهرجة، والكذب، والنفاق، والتزوير... وهو ما أفسد ويفسد العملية برمتها، ويمتد ذلك، على طول الفترة الانتدابية، وينعكس سلباً على كل القطاعات الأخرى فيتم قتل التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولأن هاجس ربح أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات هو الذي يتحكم في الفاعل السياسي فيغيب عن برامج الأحزاب السياسية الفعل الثقافي.. برامج تتشابه كما لو كانت نسخة واحدة.. وليس لها خلفية ثقافية، وغير مسنودة بتصور فكري، ورؤية فلسفية، وهي برامج بئيسة تستجدي الناخب وتدغدغ عواطفه وتمنيه بأحلام بعيدة عن التحقق على أرض الواقع. ونظراً لجهل هذا الأخير يسقط في فخ السياسي، ويسقط المثقف، أيضاً، في نفس الفخ بعدم المشاركة في الفعل السياسي، وفي العملية الانتخابية فيترك المقعد الفارغ لتملأه التفاهة والتافهون.
يرى المثقف الواعي باللعبة السياسية أن الانتخابات ما هي إلا مسرحية تكرَّر بنفس الممثلين وبنفس الإخراج، ونفس الأزياء، لهذا يقاطعها ولا يتوقع أن تكون آلية تغيير وتطوير، بل تكرس التخلف وتعمل على تأبيده.
صناعة الساسة على النمط العربي أسهل بكثير من صناعة المثقفين. يصنع السياسي كما الوجبات السريعة، أما صناعة المثقف فتتطلب سنوات وإمكانيات وإرادة حقيقية.
مغرب ما بعد الانتخابات المقبلة، ما الذي يمكن أن يتغير فيه؟ وما الذي يمكن أن يبقى كلازمة أبدية؟
بعض الوجوه أكيد ستختفي وسنرتاح من سحناتها ولغوها وكيدها ومكرها... ولكن ستبقى ظلالها وأشباهها وأقنعتها ونسلها وآثار أياديها العفنة...
بعض الوجوه الجديدة ستظهر وهي وريثة الوجوه القديمة وتجلياتها ونسل رحمها، وستلعب نفس الأدوار من نفس المسرحية بنفس الأقنعة،
سيحضر فيها الدين والمال الحرام والنفاق والفتوة والكذب والمصلحة الشخصية،... وسيُغيَّب المثقف والثقافة والوطن وإرادة الناخب، والمصلحة العامة.
- طفح الكيل:
لم نعد قادرين على تقبل هذا العبث الذي يخلقه ويرعاه الأغبياء، والجهلة، وعديموا الضمير، ومصاصوا الدماء، والعبثيون(العبث ليس بالمفهوم المسرحي) وصُنّاع التفاهة وأمجادها وبروجها وحراسها. لقد طفح الكيل، ولم يعد في الصدر متّسع. لقد انفرط زمن الحكمة، وزمن التروي، وزمن إعمال الفكر. لقد سقط القناع عن القناع كما قال شاعر القضية الفلسطينية الراحل محمود درويش يوم كان للقضية الفلسطينية مدافعون وشعراء وعرب صادقون، قبل أن تباع في المزاد العلني. آن الأوان، على الأقل، لرفض التفاهة، وتصنيفها اجتماعياً وأدبياً وسلوكياً كتفاهة. آن الأوان لتحديد ملامح التافهين وتعريفهم وإظهارهم في المرآة العاكسة، وكشفهم أمام المجتمع كتافهين، ورعاة التفاهة.
لم نعد قادرين على زعامة الدجالين، والسحرة، والفساق، والخونة للضمير والوطن والناس الذين اعتلوا منصات التتويج السياسي، وأصبحت لهم الكلمة المسموعة والمشورة، والرأي المتبع، والقرارات الفاصلة، كل ذلك على حساب النخب، والكفاءات التي تحولت، بقدرة قادر، إلى قردة في السيرك، يُسخَر من عِلمِها وفنها وثقافتها وحبها الحقيقي للوطن.
-المثقف والأسئلة الحارقة:
لم نعد قادرين على كل هذه التكالبات، والانبطاحات والمؤامرات، والخنوع والخضوع، والتواطؤات، ضد الوطن، وضد الفكر والفن والثقافة، وضد الجمال والذوق، وضد العقل والأخلاق العامة، وضد الرقي والازدهار والحضارة، وضد صناع الأمل، وضد الشرفاء من أبناء هذا الوطن. ونحن - الآن هنا- كما تقول الاحتفالية نمتص، على مضض، سُمَّ الأفاعي التافهة، هل نستطيع أن نجيب، بعد بضع سنوات، على الأسئلة الحارقة والصميمية التي سيلقيها علينا أطفالنا: ماذا صنعتم لنا؟ لم بلدان كثيرة متقدمة، وبلدنا في الحضيض يئن تحت وطأة التخلف؟ لم كرّستُم الجهل والأمية والفقر والظلم والتفاهة،...؟؟؟ لِمَ لَمْ توفروا لنا تعليماً جيداً، وصحة سليمة، وحياة كريمة، وعيشاً شريفاً، ومستقبلاً واعداً؟؟؟ وتتعدد أسئلتهم التي تشكلها عقولهم، ولا نستطيع أن نقول لهم: كنا مكتوفي الأيدي، مشلولي الفكر، مسلوبي الإرادة. كنا مثلكم نحلم بما تعلمون به، وكان القيمون على شؤوننا السياسية لا يهمهم الوطن.. ولا أبناء الوطن.. ولا مستقبل الوطن.. كان فقط، وبشكل حصري، تهمهم خيرات الوطن، وثرواته، والكراسي والمناصب،...


 

وفاة الفنان المغربي مصطفى الزعري

 ببالغ الحزن والأسى، تلقينا خبر وفاة الفنان المغربي مصطفى الزعري، الذي يعد من رواد الفن المغربي بأعماله المميزة وإسهاماته الكبيرة في المسرح ...