dimanche 21 juillet 2019

قراءة في كتاب "كسرة خبز" للأستاذ حسن إبراهيمي

قراءة في كتاب "كسرة خبز" للأستاذ حسن إبراهيمي
بقلم سمر الغانمي*
http://chaabpress.com
"كسرة خبز" كتاب للمؤلف المغربي حسن إبراهيمي، ورد في 80 صفحة من الحجم المتوسّط، عن دار المختار للنشر والتوزيع. صيغ الكتاب في شكل شذرات أدبيّة مقتضبة شكلا، كثيفة معنى ومغزى. عالجت بأسلوب رمزي قائم على الإيحاء والإضمار أكثر من الإبانة والإفصاح قضايا مجتمعيّة يعيشها العالم العربي عموما كالوطن والكفاح للظفر بكسرة خبز، فأحالنا على عالم الموجودات والطبيعة والأفكار والأحاسيس الدفينة بكلّ تجلّياتها وتناقضاتها وتداخلاتها ليكشف لنا كُنْهَ الوجود الإنساني في علاقته بمختلف القضايا الوجوديّة، ويعكس لنا الطاقة النفسيّة في كلمات الكاتب من حزن ووَجَعٍ وغربة وتضحية وعناد وأمل واصطدام بالواقع ومرارة الحياة من أجلِ كسرة خبز ووطنٍ حرّ وأرض آمنة تجِدُ الخلاص في دماء الشهداء التي تروي الأرض من أجل ولادة جديدة.
دلالة العنوان:
إنّ العنوان هو محطّة اللقاء الأولى بين المبدع والمتلقي الذي قد يبني توقّعاته ومضامين الكتاب الذي بين يديه على أساسه. "كسرة خبز": مركّب يحمل من الدلالات الكثير، قابِلٌ للتأويل والقراءات المتعدّدة باختلاف جمهور المتقبّلين وأحوالهم وخلفيّاتهم الثقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة والبيئيّة. فقد يُربط بالعمل والاستغلال الاقتصادي والجهد المبذول لأجل كسرة خبز ولقمة عيش. وقد يُعبّر عن الوطن في علاقته بالأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة وما يوفّره لأبنائه من رزقٍ ويؤمّنه من قوتٍ. و قد ينحو بنا إلى الأمّ و"أحنّ إلى خبز أمّي وقهوة أمّي ولمسة أمّي وتكبر فيّ الطفولة..." كما أنشد محمود درويش.
متن الكتاب:
صوّر الكاتب وجَعَ الأوطان وساكنيها والمارّين على شوارعها، ونسَجَ وجوه الشهداء ودموع الأطفال التي تروي الأرض لبداية وولادة جديدتيْن وأملٍ قريبٍ للنصر في قضايا الإنسان والوجود. ورغم أنّ الكاتب مغربيّ الأصل لم يعشْ تحت وزر الاحتلال وانتهاك الوطن وتحت وطأة القنابل المدوّية، واقعًا، إلاّ أنّه عانقها روحا، واستطاع التعبير عنها وعن مقاصده ومواقفه ورُؤاه بأسلوب متميّز. فاعتمد أسلوبا وصفيّا مجازيّا قام في مجمله على الصور الاستعاريّة والتشبيهيّة لتمثيل مشاهد المعاناة والبوح بآلام القضيّة وحامليها: قضيّة الوطن والتوق للحريّة (في شوارع الرصاص انتحرت الأرض رفضا لإنجاب مدن جديدة للعدو / في دماء الشهداء احتشد الوطن.. بجبين كلّ قطرة تتصبّب أحزانا.. كاغتراب الناي بين أنامل التاريخ، كآخر قطرة تصرخ في وجه الجلاد.. تفتك كلّ كسرة خبز.. تعاقر دروب الانعتاق)، قضيّة كسرِ حاجز الصمت وظلال الظلام الطاغية على العقول (لا تستيقظ المدارس في أفواه المتعلمين إلاّ بعد ما يزول الغطاء على السنين)، قضيّة الخبز والطوى ولقمة العيش ووصراع الذات مع الذات من أجل الحفاظ على الكرامة والظفر بكسرةِ خبزٍ تُطفئ جوعَ الانتظارِ لنورِ الصباح وابتساماتِ النصر على شفاه الشهداء وتُضمّد جراح الشقوق المرسومة بإتقان على أيادي الأشقياء (لستُ سواك يا وطني عانقتك في أفواه المعتوهين، والفقراء... عانقتك في كلّ كسرة خبز تصدح في الشارع... في وجه القمع... في وجه كلّ المتارس التي تمنع المارة من اقتطاف وردة في كلّ حقل يسقى بدماء الشهداء... لستُ سواك يا وطني...)، ممّا خلق جوّا فنيّا أضفى على نصوص الكتاب صدقًا عكسَ رهافة إحساس الكاتب من جهة، والمشاعر المتناقضة التي سيُثيرها في نفوس المتلقّين من حزنٍ وتعاطفٍ وتحريضٍ للرفض والصمود والكفاح، من جهة أخرى. وهذا الأسلوب في الحقيقة يعود لحرفيّة القلم السارد وصِدْقِ تأثير القضايا في نفسه وعلى حروفه وكلماته التي تجلّت لنا في شكل شذرات تحتاج كُلّ منها إلى تحليل عميق بحثا عن أبعادها الجماليّة والدلاليّة.
واستعمل في خضمّ ذلك، أيضا، معجما دلاليّا استطاعت ألفاظه ومفرداته أن تُعبّر عن الواقع الأليم والرحلة التي يخوضها الإنسان عموما للتحرّر من القيود على اختلافها، اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة... وتُلامِسَ الأمل المرسوم في العيون ولهفة الشفاه للّقاء وانبلاج قطراتِ ضوءٍ من بوتقة الصمت والظلام "لأنّ الموت لا يرقد في عيون الشهداء" كما جاء على لسان صاحب الكتاب.
ومن أبرز المصطلحات التي تكرّرت في شذرات كتابه: النجوم، البحر، الشمس، الظلال، الغسق، المطر، زخات ضوء، الجبال، الرياض،الموت، الضباب، الضوء، الضياء، الظلام، القمر، الربيع، العصافير، الأرض، السماء، العيون، الحلم، الشموع... لنجد أنفسنا أمام كاتب يعبّر عن حبّه للوطن وغيرته عليه ويطمح في التحرّر لذاته ولذوات الآخرين ويُحاول أن يصنع عالما تتصارع فيه الأضداد: تباشير الصباح ‡ الظلام، السماء ‡ الأرض، الحياة ‡ الموت... مؤكّدا أنّ بَعْدَ كلّ ظلام وعتمة لابدّ من انبلاج الصبح وإشراق الشمس، وأنّ بعد الأسْرِ حريّةً وتحرُّرا من قيود الصمت وكسرًا لحاجز الظلم والاحتلال، وأنّ المعاناة والموت والشهادة والكفاح والصمود يتبعُها نصرٌ وولادة جديدة وكتابةٌ لتاريخ جديد "ليزغرد عربون الحريّة مهلّلا لطيْف الانتصار"، وأنّ وراء كلّ وجعٍ انفراجا وأنّ بعد العسر يسرا، وأنّ الأرض حقٌّ لأبنائها وشهدائها وقطراتِ العرقِ المتصبّبة على جباه الفقراء والكادحين تصديقا لقول المؤلّف "لن يستسلم اغترابي... مهما ابتعدت عن منفاي... لن يستسلم لانتصاب المنعرجات... أو لضغط أيّ انحناء اتّقد في كلّ طريق اتّخذته لأنشد حكاية عن اغتراب شمس بلدي لكلّ طفلٍ يحمل حقيبة مسَد وهو في الطريق إلى ما تشتعل به ذاكرة وطن ليحرّر أهله من الطغيان"، لتسقط الأقنعة ويُصلب المحتلّون وينتصر أبناء الوطن.
وإذا ما أردنا تصنيف الكتاب ضمن جنس أدبيّ معيّن، عجزنا عن ذلك. فهل هو خواطر نسجها الكاتب وباح من خلالها عن خلجات نفسه، أم سيرة ذاتيّة عبّر فيها عن مأساته ومعايشة آلام الوطن بتفاصيلها من لحظة الجرح، مُرورا ببصيص الضوء والأمل، وُصولا إلى ساحة النصر، أم هي تداخلٌ لكلّ تلك الأجناس وتناصّ تقاطعت فيه خطابات مختلفة لتتوّج ولادة هذا الأثر الأدبي؟
*ناقدة تونسية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

وفاة الفنان المغربي مصطفى الزعري

 ببالغ الحزن والأسى، تلقينا خبر وفاة الفنان المغربي مصطفى الزعري، الذي يعد من رواد الفن المغربي بأعماله المميزة وإسهاماته الكبيرة في المسرح ...